فصل: بصيرة في نسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في الأعلى:

وقد ورد في القرآن على خمسة أَوجهٍ:
الأَوّل: بمعنى عُلوّ الحقّ في العَظمة والكبرياءِ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى}.
الثاني بمعنى استيلاءِ موسى على سَحَرة فرعون بالعصا: {لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلى}.
الثالث: بمعنى غلبة المؤمنين على الكفَّار يوم الحرب، والوغَى: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ}.
الرابع: بمعنى دعوى فرعون، وما به اعتدى: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى}.
الخامس: في إِخلاص الصّدّيق في الصّدقة، والعَطَا طمعاً في اللِّقاءِ والرّضَا.
{إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى}.
وأَصل العلوّ: الارتفاع.
وقد علا يَعْلُو علوًّا، وعلى يَعلى علاءً، فهو على.
فعَلا- بالفتح- في الأَمكنة والأَجسام أَكثر.
والعلى هو الرّفيع القدر مِنْ على.
وإِذا وُصِف به- تعالى- فمعناه: أَنَّه يعلو أَن يحيط به وصفُ الواصفين، بل عِلْم العارفين.
وعلى ذلك يقال: {تعالى عمّا يُشْرِكُون}.
وتخصيص لفظ التعالى لمبالغة ذلك منه، لا على سبيل التكلُّف، كما يكون من البشر.
والأعلى: الأَشرف.
والاستعلاءُ قد يكون طلبَ العلوّ المذموم.
وقد يكون طلب العَلاَءِ أي الرّفعة.
وقوله: {وَقَدْ أَفْلَحَ الْيوم مَنِ اسْتَعلى} يحتمل الأَمرين جميعاً.
وقوله: {خلق الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعلى} جمع تأْنيث الأعلى.
والمعنى: هو الأَشرف والأَفضل بالإِضافة إِلى هذا العالَم.
وتعالَ: أَصله أَن يُدعى الإِنسان إِلى مكان مرتفع، ثمّ جُعِل للدّاعى إِلى كلّ مكان. اهـ.
وقال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في نسي:

النِّسيان: تَرْكُ الإِنسان ضَبْطَ ما اسْتُودِعَ، إِمّا لضَعْف قَلْبه، وإِمّا عن غَفْلةٍ، وإِمّا عن قَصْد حتى يرتفع عن القَلْبِ ذِكْرُه.
نَسِيتُه نِسْياناً وتَناسَيْتُه، وأَنْسآنية شَيْطانٌ ونَسّانِيه، قال تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}.
وقوله تعالى: {سنقرئك فَلاَ تنسى} إِخبارٌ وضَمان من الله تعالى أَنَّه يجعله بحيث إِنَّه لا يَنْسَى ما يسمعه من الحقِّ.
وكلّ نِسْيان من الإِنسان ذَمَّة الله تعالى به فهو ما كان أَصلُه عن تَعَمُّد منه لا يُعْذر فيه، وما عُذِرَ فيه فإِنَّه لا يُؤاخَذُ به نحو قوله صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ عن أُمَّتى الخَطَأُ والنِّسيانُ»، فهو ما لم يكن سببه منه.
وقوله: {فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يومكُمْ هَذا} هو ما كان نسيه عن تعمّد منهم وتركُه على طريقِ الإِهانة.
وإِذا نُسِب ذلك إِلى الله تعالى فهو تَرْكُه إِيّاهم استهانةً بهم ومُجازاةً لما تركوه.
وقوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذينَ نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} تنبيه أَنَّ الإِنسان بمعرفته لنفسه يعرف الله، فنسيانه لله هو من نسيانه نفسه.
ويُقال: نسيتُ الشيء أي تركْتُه، ومنه قوله تعالى: {نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}.
وقوله تعالى: {وَاذكر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} قال ابنُ عبّاس رضي الله عنهما: إِذا قلتَ شيئاً ولم تقل إِن شاءَ الله فقُلْه إِذا تَذَكَّرْتَه.
وبهذا أَجاز الاستثناءَ بعد مدّة.
وقال عِكْرِمَةُ: معنَى نَسِيتَ ارتكبتَ ذَنْباً، ومعناه اذكر الله إِذا أَردتَ وقَصَدْت ارتكاب ذَنْب يَكُنْ ذلك دافِعاً لك.
والنِسْىُ أَصله ما يُنْسَى كالنِقْضُ لما يُنْقَض، وصار عُرْفاً اسماً لما يَقِلُّ الاعتدادُ به.
ومن هذا يقول العرب: احْفَظُوا أَنْساءَكم.
أَى ما من شَأْنِه أَنْ يُنْسَى.
وقوله تعالى: {نَسْياً مَّنسِيّاً} أي جارِياً مَجْرَى النِسْى القَلِيل الاعْتداد به، ولهذا عقَّبه بقوله مَنْسِياً لأَنَّ النِسْىَ يُقال لما يَقِلُّ الاعتدادُ به وإِن لم يُنْسَ.
وقرئ نَسْياً بالفتح، وهو مصدرٌ موضوعٌ موضِعَ المفعول، نحو عَصَى عَصْياً وعِصْياناً.
وقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا} فإِنساؤها حَذْفُ ذِكْرها عن القلوب بقوّة إِلهيّة.
والنُّسْوَة بالضمِّ، والنِّسْوة والنِّساءُ والنِّسُون، بكسرهنَّ، جُموعُ المرأَةِ من غير لفظها.
والنَّسْوَة بالفتح: التَّرك للعمل، والجُرْعَة من اللَّبْن.
والنَّسا: عِرقٌ ممتد من الوَرك إِلى الكَعْب.
ونَسِيَه نَسْياً: ضَرَب نَساهـ.

.بصيرة في نشأ:

ناشئة اللَّيل: أَوّل ساعاتِه.
وقال ابنُ عرفة: كلّ ساعة قامها قائم من اللَّيل فهى ناشئة، وقيل: كلّ ما حَدَث في اللَّيل وبدأَ فهو ناشئ، والجمع ناشئةٌ.
وقال الأَزهرىّ: ناشئة الَّليل مصدرٌ جاءَ على فاعلة، وهو بمعنى كالعافِية بمعنى العَفْو، والعاقِبَة بمعنى العَقْب، والخاتِمة بمعنى الخَتْم.
والنَّشأَةُ والنَّشاءَةُ بالفتح فيهما وبالمدّ في الثانية عن أَبى عَمْرِو بن العَلاءِ اسمٌ من أَنشأَ الله الخَلْق.
وأَنْشَأَ يفعلُ كذا، أي ابْتَدَأَ.
وفلانٌ يُنْشَئ الأَحادِيثَ أي يَضَعُها.
وقوله تعالى: {وَلَهُ الجوار الْمُنشيءاتُ فِي الْبَحْرِ} قال مجاهد: هي السُفُن التي رفعت قُلوعُها، وإِذا لم تُرفع قلوعها فليست بمنُشَآت، وقيل: هي التي اتبدئ بهنّ في البحر لِتجرىَ فيه.
وقرأ حمزة بن حبيب الزَّيّات وعلي بن حمزة الكسائى: {المُنْشئات} بكسر الشين، ومعناها المبتدئات في الجَرْى.
وقال أَبو القاسم الأَصفهانّى: الإِنشاءُ إِيجاد الشيءِ وتربيته، وأَكثر ما يقال ذلك في الحيوان، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذي أَنشَأَكُم}، {ثم إنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ}، {ثم إنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ} هذه كلِّها في الإِيجاد المختصّ بالله تعالى.
وقوله تعالى: {أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ} فلتَشْبِيه إِيجادِ النار المُسْتخرَجَة بإِيجاد الإِنسان.
وقوله: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} أي يُرَبَّى تربيةً كتربية النِّساءِ، وقرئ {يَنْشأُ} أي يتَربّى.
والناشئ الحَدَثُ الذي جاوز حَدَّ الصغَر، والجارية ناشئ أيضًا.
والنَّشْءُ والنَشْأَةُ: أحداثُ الشيءُ وتربيتُه، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأولى}.
وجمع النَّاشئ نَشَأُ كطالِب وطَلَب، ويُجمع على نَشْءٍ أيضًا كصاحب وصَحْب.
والنَشْءُ: أَوّلُ ما يَنْشأُ من السّحابِ.
ونَشَأْتُ في بنى فلان نَشْأَ ونُشوءَاً، أي نُشئت فيهم.
ونَشَأَتِ السحابةُ ارتفعت. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال الشنقيطي:
قوله تعالى: {سنقرئك فَلا تنسى إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} الآية.
هذه الآية الكريمة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ينسى من القرآن ما شاء الله أن ينساه- وقد جاءت آيات كثيرة تدل على حفظ القرآن من الضياع كقوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقرآنَهُ} وقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافظونَ}.
والجواب أن القرآن وإن كان محفوظا من الضياع فإن بعضه ينسخ بعضا وإنساء الله نبيه بعض القرآن في حكم النسخ فإذا أنساه آية فكأنه نسخها ولابد أن يأتي بخير منها أو مثلها.
كما صرح به تعالى في قوله: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}.
وقوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ}.
وأشار هنا لعلمه بحكمة النسخ بقوله: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يخفى}. اهـ.

.تفسير الآيات (8- 13):

قوله تعالى: {وَنُيسركَ لليسرى (8) فذكر إِنْ نَفَعَتِ الذكرى (9) سَيذكر مَنْ يخشى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الأشقى (11) الَّذي يَصْلَى النَّارَ الكبرى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا ولا يحيى (13)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر الإلهيات والنبوة وأشير إلى النسخ، أشار إلى أن الدين المشروع له هو الحنيفية السمحة، وأنه سبحانه وتعالى لا يقيمه في شيء بنسخ أو غيره إلا كان هو الأيسر له والأرفق، لأن الرفق والعنف يتغيران بحسب الزمان، فقال مبيناً للقوة العملية أثر بيانه للعلمية: {ونيسرك} أي نجعلك أنت مهيأ مسهلاً مليناً موفقاً {لليسرى} أي في حفظ الوحي وتدبره وغير ذلك من الطرائق والحالات كلها التي هي لينة سهلة خفيفة- كما أشار إليه قوله: «كل ميسر لما خلق له» ولهذا لم يقل: ونيسر لك، لأنه هو مطبوع على حبها.
ولما كمله صلى الله عليه وسلم وهيأه سبحانه وتعالى للأيسر ويسره غاية التيسير، سبب عنه وجوب التذكير لكل أحد في كل حالة تكميلاً لغيره شفقة على خلق الله بعد لما له في نفسه فإن لله ساعات له فيها نفحات تقضى فيها الحاجات، وذلك لأنه قد صار كالطبيب الحاذق في علاج المرضى فيقوم بنفع عباده لشكره بعد ذكره بإذن منه إشارة إلى أن التلميذ يحتاج إلى إذن المشايخ وتزكيتهم، وإلى أن أعظم الأدواء أن يقتصر الإنسان على ما عنده ولا يطلب الازدياد مما ليس عنده من خير الزاد فقال تعالى: {فذكر} أي بهذا الذكر الحكيم، وعبر بأداة الشك إفهاماً للإطلاق الكليّ فقال: {إن نفعت الذكرى} أي إن جوزت نفعها وترجيته ولو كان على وجه ضعيف- بما أشار إليه تأنيث الفعل بعد ما أفادته أداة الشك، ولا شك أن الإنسان لعدم علمه الغيب لا يقطع بعدم نفع أحد بل لا يزال على رجاء منه وإن استبعده، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال يدعو إلى الله تعالى وإن اشتد الأمر، ولا يحقر أحدا أن يدعوه ولا ييأس من أحد وإن اشتد عليه، والأمر بالإعراض عمن تولى ونحو ذلك إنما هو بالإعراض عن الحزن عليه ومن تقطيع النفس لأجله حسرات ونحو ذلك.
ولما أمره بالتذكير لكل أحد، قسم الناس له إلى قسمين: قسم يقبل العلاج، وقسم لا يقبله، إعلاماً بأنه سبحانه وتعالى عالم بكل من القسمين جملة وأفراداً على التعيين ولم يزل عالما بذلك، ولكنه لم يعين ابتلاء منه لعباده لتقوم له الحجة عليهم بما يتعارفونه بينهم وله الحجة البالغة، فقال حاثاً على شكر الجوائح من العقل ونحوه والجوارح من القلب واللسان وغيرهما: {سيذكر} أي بوعد لا خلف فيه ولو على أخفى وجوه التذكير- بما أشار إليه الإدغام {من يخشى} أي في جبلته نوع خشية، وهو السعيد لما قدر له في نفسه من السعادة العظمى لقبول الحنيفية السمحة فيذكر ما يعلم منها في نفسه فيتعظ، فإن الخشية حاملة على كل خير فيتنعم بقلبه وقالبه في الجنة العليا ويحيى فيها حياة طيبة من غير سقم ولا توى، دائماً بلا آخر وانتهاء.
ولما ذكر من يحب حبه في الله ذكر من يبغض في الله، وعلامة الحب الاقتداء، وعلامة البغض التجنب والانتهاء والابتداع والإباء، فقال: {ويتجنبها} أي يكلف نفسه وفطرته الأولى المستقيمة تجنب الذكرى التي نشاء تذكيره بها من أشرف الخلائق وأعظمهم وصلة بالخالق.
ولما كان هذا الذي يعالج نفسه على العوج شديد العتو قال: {الأشقى} أي الذي له هذا الوصف على الإطلاق لأنه خالف أشرف الرسل فهو لا يخشى فكان أشقى الناس، كما أن من آمن به أشرف ممن آمن بمن قبله من الرسل عليهم الصلاة والسلام.
ولما ذكر وصفه الذي أوجب له العمل السيئ، ذكر جزاءه فقال: {الذي يصلى} أي يباشر مباشرة الغموس بقلبه وقالبه مقاسياً {النار الكبرى} أي التي هي أعظم الطبقات وهي السفلى لأنه ليس في طبعه أن يخشى، بل هو كالجلمود الأقسى لأنه جاهل مقلد أو متكبر معاند، أو المراد نار الأخرى فإنها أعظم من نار البرزخ وأعظم من نار الدنيا بسبعين جزءاً، فلهذا استحقت أن تتصف بأفعل التفضيل على الإطلاق، والآية من الاحتباك: ذكر الثمرة في الأول وهي الخشية دليلاً على حذف ضدها من الثاني، وهي القسوة الناشئة على الحكم بالشقاوة، وذكر الأصل والسبب في الثاني وهو الشقاوة دليلاً على حذف ضده في الأول وهو السعادة، فالإسعاد سبب والخشية ثمرة، والإشقاء سبب والقساوة ثمرة ومسبب، وكذا ما نبعه من النار وما نشأ عنه، وسر ذلك أنه ذكر مبدأ السعادة أولاً حثاً عليه، ومآل الشقاوة ثانياً تحذيراً منه، قال الملوي: ولا شك أن القرآن العظيم على أحسن ما يكون من البراعة في التركيب وبداعة الترتيب وكثرة العلوم مع الاختصار وعدم التكرار، فيكتفي في موضع بالثمرة بلا سبب وفي آخر بالسبب بلا ثمرة لدلالة الأول على الثاني والثاني على الأول، فيضم السبب إلى الثمرة والثمرة إلى السبب كما يطلق القضاء ويكتفى به عن القدر، ويطلق القدر ويكتفى به عن القضاء، وكذلك يذكر الحكم ويتركان فيدل عليهما فتذكر الثلاثة، ويظهر بمثال وهو أن من أراد إقامة دولاب يهندس أولاً موضع البئر بسهمه وترسه ومداره وحوضه الذي يصب فيه المار وجداوله التي ينساق منها، فهذا هندسة وتدبير وحكم وإرادة، فإذا صنع ذلك وأتمه سمي قضاء وإيجاداً وتأثيراً، فإذا ركب على الجبال قواديس تحمل مقداراً من الماء معيناً إذا نزلت إلى الماء أخذته، وإذا صعدت فانتهت وأرادت الهبوط فرغته فتصرف الماء من جداوله إلى ما صنع له كان ذلك قدراً فهو النهاية، فمتى ذكر واحد من الثلاثة: الحكم والقضاء والقدر، دل على الآخر.
ولما كان ما هذا شأنه يهلك على ما جرت به العادة في أسرع وقت، فإذا كان من شأنه مع هذا العظم أنه لا يهلك كان ذلك دليلاً واضحاً على أنه لا يعلم كنه عظمة مقدره إلا هو سبحانه وتعالى فأشار إلى ذلك بالتعبير بأداة التراخي إعلاماً بأن مراتب هذه الشدة في التردد بين الموت والحياة لا يعلم علوها عن شدة الصلى إلا الله تعالى فقال: {ثم لا يموت فيها} أي لا يتجدد له في هذه النار موت وإن طال المدى.
ولما كان من يدخل النار فلا تؤثر في موته قد يكون ذلك إكراماً له من باب خرق العوائد، احترز عنه بقوله: {ولا يحيى} أي حياة تنفعه لأنه ما تزكى فلا صدق ولا صلى. اهـ.